الحسد شماغ الخائبين
يتكل الكثيرون على الحسد ويبررون كل أخطائهم وخسائرهم ويعلقونها على شماعة
الحسد. وقد يتقاعسون عن مهامهم وعندما يستحثهم أحد يتحججون بالحسد فهل
يبالغون أم أنهم على حق؟.
الأصل ألا يجعل المسلم من الحسد والحساد عقبة في طريقه بل يتجاهل كل هذا
ويعتمد على الله ويستعيذ بالله من شر الحسد والحاسدين
ويأخذ بأسباب الانفراج ويجتهد في إزاحة ما نزل به من ضر.
ولكن في الوقت ذاته فإن الحسد بالعين حقيقة واقعة ففي الحديث: "العين حقّ ولو
كان شيء سابق القدر لسبقته العين".
ما الحسد؟
الحسد هو تمنّي زوال نعمة الغير سواء تمنّى الحاسد تحوّل هذه النعمة إليه دون
المحسود أو لم يتمنّ ذلك وليس الحسد قاصرا على ذلك بل من الحسد فرح المرء
لزوال النعمة عن غيره أو إصابته بمصيبة أو حزنه لحصول غيره على نعمة وخير
وذلك حسد مذموم إذ وصف الله تعالى الكافرين به بقوله: {إن تمسسكم حسنة
تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها...} أو حرصه على ألا يصل الخير إلى الغير أو
تمنّيه ألا يصل إليه وهذا حسد مذموم كذلك لأن تمني عدم حصول النعمة مساو
لتمني زوالها بعد حصولها.
والحسد من أفعال القلوب لأنه مجرد تمني زوال النعمة عمّن حدثت له أو عدم
حصوله عليها أو الفرح لزوالها عنه أو الحزن لحصوله عليها أو الحرص القلبي
على عدم حصوله عليها وكل هذه من أفعال القلوب.
والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.. قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" وروي عن معاوية بن حيدة أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل".
ويختلف الحسد -بهذا المفهوم- عن الغبطة
رغم اشتراكهما في أن الحاسد والغابط ينظر كلّ منهما إلى ما عند الغير من نعمة.
فإن الغبطة: هي تمنّي المرء أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يتمنّى زواله عن الغير
والحرص على هذا يسمّى منافسة
فإن كانت في الخير فهي محمودة وإن كانت في الشر فهي مذمومة.
وقد يطلق الحسد على الغبطة مجازا كما في حديث ابن مسعود عن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم- أنه قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلّطه على
هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلّمها". فالحسد في الحديث
يراد به الغبطة لأن كلا من الرجلين تمنّى لنفسه مثل ما عند الآخر ولم يتمنّ زوال النعمة عنه.
الحاسد.. إنسان سلبي
إن من يلجأ إلى الحسد والنظر إلى ما عند الغير إنسان غير سوي نفسيا وهو إنسان
سلبي في تعامله فالأولى له بدلا من أن يتمنى زوال النعمة من عند أخيه أن يجتهد
ويأخذ بأسباب النجاح والتفوق كي يحقق مثلها وربما أفضل منها بدلا من حصاد
ثمار الخيبة والتقاعس.
فليجتهد وليزرع شجرة وليضئ شمعة خير له من أن يلعن الظلام. ورحم الله العالم
المصري الشيخ محمد متولي الشعراوي فقد ضرب مثلا لذلك فقال: "لو أن طالبا نبغ
في بلدك ودخل كلية الطب ولم يتحقق ذلك لولدك فلم تحسده وتحسد أباه على ذلك؟!
أوليس من الأفضل لك أن يكون هناك طبيب في بلدك خير من أن تسافر إلى بلد آخر
بحثا عن طبيب؟" فالحاسد إنسان أحمق يسير ضد مصلحته ومصلحة أمته.
والحسد نوع من معاداة الله والاعتراض على حكمه فإن الحاسد يكره نعمة الله على
عبده فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته ولذلك كان إبليس عدوه حقيقة لأن
ذنبه كان عن كبر وحسد.